في ظل ضغوط سياسية وتصاعد الرسوم الجمركية، هل ينجو الاقتصاد الأمريكي من الركود التضخمي؟
في قرارٍ ترقبه المستثمرون بشغف، أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تثبيت اسعار الفائدة للمرة الثالثة خلال عام 2025، مؤكدًا على التزامه بنهج الحذر والترقب وسط مشهد اقتصادي يزداد تعقيدًا يوماً بعد يوم.
قرار التثبيت الأسواق ترتاح مؤقتاً
قرار التثبيت يعني أن البنك المركزي الأمريكي قرر عدم رفع أو خفض سعر الفائدة الأساسي، وهو السعر الذي يتم على أساسه تمويل البنوك، والذي يؤثر مباشرة على القروض والرهون العقارية وأسعار الأسهم.

بالرغم من ذلك، لم يُستقبل القرار بالتشاؤم، بل بالعكس، فقد اعتبرته الأسواق إشارة إيجابية لاستقرار السياسة النقدية، وسجلت مؤشرات الأسهم الأميركية ارتفاعات معتدلة، وواصلت العملات المشفرة نموها اللافت. فقد ارتفع سعر الإيثريوم فوق مستوى 1900 دولار، فيما عاد الحديث بقوة عن إمكانية وصول البيتكوين إلى حاجز 100 ألف دولار.
رسائل ترامب… والتجاهل الرسمي
خلال الأشهر الماضية، كثّف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب دعواته العلنية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي بضرورة خفض أسعار الفائدة، بحجة دعم الاقتصاد وتحفيز الأسواق. لكن رئيس المجلس جيروم باول، ردّ بطريقة مباشرة وحاسمة:
“دعوات الرئيس ترامب لنا بخفض الفائدة لا تؤثر على عملنا. نحن لا نعمل بناءً على ضغوط سياسية، ونخدم مصالح الشعب الأمريكي فقط.“
وأكد باول أن الاحتياطي الفيدرالي مؤسسة مستقلة لا تتبع لأي سلطة سياسية أو تنفيذية، مشددًا على أن جميع القرارات تُتخذ بناءً على البيانات الاقتصادية والتحليلات الدقيقة، وليس وفق حسابات انتخابية أو شعبوية.
الاقتصاد الأميركي بين المطرقة والسندان
ورغم بعض المؤشرات الإيجابية في سوق العمل والإنفاق الاستهلاكي، إلا أن جيروم باول لم يُخفِ قلقه من مستقبل الاقتصاد الأميركي، خاصة في ظل الارتفاع المتزايد في الرسوم الجمركية التي فرضتها الإدارة الأمريكية على عدة دول، والتي قد تؤدي إلى تباطؤ النمو.
“هناك خطر حقيقي من حدوث ركود تضخمي، أي ارتفاع الأسعار بالتزامن مع تباطؤ النشاط الاقتصادي، وهو السيناريو الأسوأ الذي نخشاه.“
كما أضاف:
“إذا استمرت الزيادات الكبيرة في الرسوم الجمركية، فسوف نشهد ارتفاعاً في معدلات التضخم، يقابله انخفاض في معدلات التوظيف.“
ماذا يعني تثبيت اسعار الفائدة للأسواق؟
لنفهم تأثير القرار بشكل مبسط:
- عند تثبيت الفائدة: الأسواق تميل إلى الاستقرار أو الصعود التدريجي. المستثمرون يرون في ذلك إشارة إلى أن البنك المركزي ليس في عجلة للتدخل، مما يعطيهم ثقة أكبر في استمرارية النمو.
- عند خفض الفائدة: يحدث غالبًا في حالات الأزمات أو التباطؤ الشديد، وقد يؤدي ذلك إلى تراجع الأسواق على المدى القصير، لأن المستثمرين يرون فيه إشارة على وجود مشاكل كبيرة في الاقتصاد.
- رفع الفائدة: غالبًا ما يؤدي إلى هبوط الأسواق، لأن تكلفة الاقتراض تزداد، مما يقلل من الإنفاق والاستثمار.
هل نشهد خفضًا لاحقًا؟
رغم قرار التثبيت، لم يُغلق الفيدرالي الباب أمام تخفيضات مستقبلية. حيث أكد باول:
“لا أستطيع أن أقول بثقة إنني أعرف المسار المناسب للفائدة في الفترة القادمة. نحن ننتظر مزيدًا من البيانات قبل اتخاذ أي خطوة.“
وتُظهر توقعات الأسواق أن هناك إمكانية كبيرة لثلاث تخفيضات في الفائدة خلال ما تبقى من عام 2025، إذا استمر التضخم في التراجع، أو إذا تباطأ الاقتصاد بشكل أكثر وضوحًا.
الرسوم الجمركية تثير القلق
من أبرز الملفات التي أشار إليها باول كانت السياسات التجارية للإدارة الأميركية، خاصة الرسوم الجمركية المتبادلة مع دول مثل الصين والاتحاد الأوروبي. حيث قال:
“الرسوم الجمركية حتى الآن جاءت أكبر مما كنا نتوقع، وهناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن تأثيرها الكامل.“
وأضاف:
“إذا لم تُحل النزاعات التجارية قريبًا، فإن آثارها قد تصبح طويلة الأمد وتشوه النمو الاقتصادي.“
موقف الفيدرالي من العجز والدين العام
لم يغب الملف المالي الداخلي عن حديث باول، حيث أشار إلى أن الدين الأمريكي يسير على مسار غير مستدام، وأن الكونغرس بحاجة إلى إعادة النظر في سياسته المالية، مؤكدًا في الوقت ذاته:
“الاحتياطي الفيدرالي لا يقدم نصائح مباشرة للكونغرس بشأن الميزانية، لكن من الواضح أن الاستمرار في هذا الاتجاه سيُضعف الاقتصاد على المدى الطويل.“
نظرة مستقبلية ترقب وانتظار
من الواضح أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي اختار سياسة الانتظار والمراقبة، في محاولة لقراءة المؤشرات الاقتصادية بهدوء، قبل اتخاذ أي قرار حاسم في الأشهر القادمة. وقد يكون هذا هو الخيار الأذكى في ظل حالة عدم اليقين التي تعمّ الأسواق العالمية.
“نحن نعتقد أن أسعار الفائدة الآن في مكان جيد، ولكننا مستعدون للتحرك إذا تطلب الأمر.“
خلاصة المشهد
- القرار: تثبيت الفائدة للمرة الثالثة في 2025.
- رد باول: نعمل باستقلالية ولا نتأثر بترامب أو غيره.
- الوضع الاقتصادي: مستقر نسبياً، لكن التهديدات حقيقية.
- التوقعات: احتمالية خفض الفائدة 3 مرات خلال العام.
- السوق: تستجيب بتفاؤل، والعملات الرقمية في صعود.
الخلاصة
ختامًا، ما بين السياسة النقدية الدقيقة، والضغوط السياسية، والتوترات التجارية، يبدو أن الفيدرالي الأمريكي يسير على حبل مشدود. والاقتصاد الأمريكي يعيش لحظة حرجة تتطلب قرارات ذكية بعيدة عن الشعارات. وفي ظل ذلك، تبقى الأسواق في حالة ترقب دائم… فكل قرار قادم قد يحمل مفاجآت تغير قواعد اللعبة الاقتصادية.