انهيار الذهب في مشهد لم يكن في الحسبان، حيث تراجعت أسعار العقود الآجلة للذهب بأكثر من 90 دولاراً دفعة واحدة، أي بانخفاض نسبته 2.8% لتسجل 3251 دولاراً للأونصة، وهو أحد أكبر الانخفاضات اليومية منذ بداية العام. لكن خلف هذا التراجع الدراماتيكي لا يكمن ضعف في أساسيات الذهب، بل خبر أشعل العالم المالي بحالة من التفاؤل والانفراج:
اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والصين، أوقف تصعيد الحرب التجارية التي ألقت بظلالها الثقيلة على الاقتصاد العالمي خلال السنوات الأخيرة. الذهب، الذي لطالما كان ملاذ المستثمرين الآمن في أوقات التوتر، وجد نفسه فجأة فاقدًا لجاذبيته بعد أن أعاد أكبر اقتصادين في العالم فتح أبواب الحوار وخفض مستوى العداء الجمركي بينهما.
اتفاق استثنائي بين واشنطن وبكين
في تصريحات رسمية شديدة التأثير، كشف وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت عن اتفاق وصفه بـ”التاريخي”، أُبرم بين الولايات المتحدة والصين، يقضي بتعليق الإجراءات الجمركية التصعيدية لمدة 90 يوماً.

هذا الاتفاق لم يكن مجرد تهدئة مؤقتة، بل خطوة استراتيجية كبرى نحو تخفيف التوترات وفتح آفاق جديدة للتعاون بين العملاقين. فقد تم الاتفاق على خفض الرسوم الجمركية المتبادلة بشكل غير مسبوق، إذ ستقوم الصين بتخفيض تعريفتها الجمركية على السلع الأميركية من 125% إلى 10%، فيما ستفرض الولايات المتحدة تعريفات مخففة تشمل نسبة 10% على السلع الأساسية، و20% فقط على مادة الفينتانيل.
هذا الاتفاق يعني عمليًا أن أكثر من نصف الحواجز التجارية بين البلدين ستزول مؤقتًا، مما يمنح الشركات والمستثمرين نافذة من الاستقرار والتخطيط دون قلق. والأهم أن الاتفاق يتضمن نية جادة لدى الطرفين لتعديل شامل في السياسات الجمركية ابتداءً من 14 مايو، في خطوة قد تكون بداية عهد اقتصادي عالمي أكثر توازناً.
الوزير بيسنت لم يكتفِ بالأرقام، بل عبّر عن رغبة أميركية واضحة بأن ترى الصين منفتحة أكثر على المنتجات الأميركية، قائلاً:
“نريد نقل التجارة العالمية إلى مكان أفضل.. نريد أن نرى الصين أكثر انفتاحاً على سلعنا ومنتجاتنا.”
الأسواق تستجيب بانفجار أخضر وموجة تفاؤل تجتاح المؤشرات العالمية
ما إن تم الإعلان عن الاتفاق، حتى دوّت موجة من الارتياح في قاعات التداول حول العالم. الأسواق المالية، التي كانت تعاني من الشك والضبابية لعدة أشهر، تلقت الخبر كشرارة أمل وأطلقت موجة صعود جماعية عكست المزاج المتحول للمستثمرين.
ارتفع مؤشر هانغ سانغ في هونغ كونغ بنسبة 3.5%، بينما قفزت العقود الآجلة لمؤشر داو جونز بحوالي 900 نقطة دفعة واحدة، في واحد من أكبر التحركات الإيجابية خلال هذا العام. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل شهدت عقود ناسداك صعوداً مذهلاً بنحو 600 نقطة، ما يعكس حجم الرهان الذي بدأت الأسواق تضعه على مستقبل أكثر استقراراً.
حتى المؤشرات الأميركية الأخرى، التي كانت تتأرجح تحت ضغط المخاوف، بدأت تظهر إشارات قوية على الانتعاش، إذ ارتفعت العقود الآجلة للمؤشرات الكبرى بنسبة تراوحت بين 1% إلى 1.5%. وارتفعت قيمة الدولار الأميركي مقابل اليورو مدعومة بتجدد الثقة في قوة الاقتصاد الأميركي، الذي يبدو اليوم وكأنه يستعد لمرحلة جديدة من النمو والتوسع بعد إزالة العقبات التجارية الكبرى.
تحول جذري في شهية المخاطرة العالمية الأسواق تفتح ذراعيها للتفاؤل
في تحليل دقيق من بنك دانسكي، أوضح المحلل الاقتصادي أندرسون أن التغير الحاصل في السوق يتجاوز كونه ردة فعل عابرة، بل هو إشارة إلى تحول حقيقي في مزاج المستثمرين العالميين.
وذكر أن الأسواق أظهرت خلال الأسبوع الماضي إشارات أولية على تحسن شهية المخاطرة، لكنها انفجرت بشكل حقيقي بعد إعلان الاتفاق بين الصين وأميركا، ما يؤكد أن التوترات التجارية كانت العامل الأساسي في كبح ثقة المستثمرين. أندرسون أضاف:
“إذا لم تظهر مفاجآت سلبية، فمن المرجح أن تستمر هذه الموجة الإيجابية في الأسواق العالمية طوال هذا الأسبوع.”
ويرى البنك أن هذا الاتفاق يمكن أن يكون الأساس لبناء تعاون اقتصادي طويل الأمد بين البلدين، خاصة مع وجود نية حقيقية لتخفيف الحواجز وخلق مناخ تجاري متوازن.
وتُشير المؤشرات إلى أن الأسواق أصبحت أكثر استعداداً للمخاطرة، خصوصاً في ظل الحديث عن احتمالية تقليل الرسوم الجمركية بشكل دائم مستقبلاً، مما يفتح المجال أمام توسّع اقتصادي عالمي جديد قد يشمل أيضاً العملات المشفرة والسلع المرتبطة بالمخاطرة.
وزارة الخزانة الأميركيةالمحادثات كانت مثمرة
من جانبها، أكدت وزارة الخزانة الأميركية أن المحادثات الثنائية التي جرت في جنيف خلال عطلة نهاية الأسبوع كانت “منتجة”، وتمخضت عن هذا الاتفاق الإطاري المهم. وأشار الوزير سكوت بيسنت إلى أن التفاصيل الكاملة والمفصلة للاتفاق سيتم الإعلان عنها بشكل رسمي يوم الإثنين المقبل، في خطوة ينتظرها المستثمرون بشغف لمعرفة ما إذا كان ما تم التوصل إليه سيتحول إلى خارطة طريق جديدة للتجارة العالمية.
هذا الإعلان المنتظر سيلعب دوراً محورياً في توجيه الأسواق خلال الأسبوع المقبل، حيث يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الانفراج في أسعار السلع، وتحفيز الاستثمار في الأسهم، وربما حتى حدوث تحركات جديدة في أسواق العملات الرقمية، التي تتأثر بشدة بأي تغير في شهية المخاطرة العالمية.
الخلاصة انهيار الذهب.. لكن الأسواق تستعيد الأمل
إن التراجع الحاد في أسعار الذهب لا يعكس ضعفاً في قيمته الجوهرية، بل يشير بوضوح إلى تبدل في مزاج المستثمرين من الخوف إلى الأمل. فمع انحسار الحرب التجارية بين الصين وأميركا، تبدو الأسواق وكأنها تفتح صفحة جديدة مبنية على التفاؤل والتعاون والنمو.
وبينما يترقب العالم تفاصيل الاتفاق المرتقب، يبدو من الواضح أن هذه التطورات تمثل منعطفاً حقيقياً في الاقتصاد العالمي.
🌐 نعم، الذهب فقد بريقه مؤقتاً.. لكن العالم ربح بداية جديدة، عنوانها الثقة والتقدم والانفتاح.