تشهد الولايات المتحدة تغيرات كبيرة في المشهد المالي، حيث تتجه الأعين نحو هيئة الأوراق المالية والبورصات (SEC) ورئيسها المحتمل، مارك أويدا.
مع استقالة جاري جينسلر المرتقبة من رئاسة الهيئة في يناير 2025، يُتوقع أن يؤدي أويدا، وهو مفوض جمهوري يتمتع بخبرة واسعة، دورًا أساسيًا في صياغة مستقبل العملات المشفرة داخل الولايات المتحدة.
في هذه المقالة، نستعرض كيف أن ترشيح أويدا قد يؤدي إلى نهج أكثر ليونة وتنظيمًا للعملات الرقمية، مما يمهد الطريق للابتكار والتقدم في هذا المجال الواعد.
التحول في سياسة مارك أويدا من الحرب إلى الوضوح
منذ فترة جينسلر، اتخذت هيئة الأوراق المالية والبورصات نهجًا صارمًا تجاه العملات المشفرة، حيث أطلقت العديد من التحقيقات والإجراءات القانونية ضد شركات كبرى في القطاع. أويدا، الذي وصف هذا النهج بـ”الحرب على العملات المشفرة”، أشار في مقابلة مع قناة “فوكس بيزنس” إلى ضرورة تغيير هذا المسار.
قال أويدا: “نحن بحاجة إلى توفير الوضوح المناسب. بعض العملات المشفرة ليست حتى أوراق مالية، ولكن يجب توضيح ما إذا كانت تقع ضمن اختصاص هيئة الأوراق المالية والبورصات أم لا.”
من الواضح أن أويدا يدعو إلى وضع إطار تنظيمي يميز بين العملات المشفرة والأوراق المالية التقليدية، ويضمن وضوحًا قانونيًا يمكن الشركات والمستثمرين من اتخاذ قرارات مبنية على معايير محددة. في ظل إدارة جديدة، قد يؤدي هذا النهج إلى خلق بيئة استثمارية أكثر استقرارًا وابتكارًا.
دعم الابتكار في الولايات المتحدة
من بين الأفكار التي طرحها أويدا هو إنشاء صناديق تنظيمية لتشجيع الابتكار في مجال العملات المشفرة. هذه الصناديق يمكن أن تكون خطوة رئيسية في تعزيز ريادة الولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا المالية، حيث قال أويدا إن مثل هذه التدابير “تتطلب تعاونًا مع الكونجرس والبيت الأبيض”، مضيفًا أن هذا التعاون ضروري لإيجاد توازن بين الابتكار والحماية التنظيمية.
إذا تم تبني هذه الفكرة، فقد تجد الشركات الناشئة في مجال العملات المشفرة البيئة اللازمة للابتكار دون خوف من العقوبات القانونية المفاجئة. هذا سيزيد من جاذبية الولايات المتحدة كوجهة رئيسية لتطوير تقنية البلوكشين والعملات المشفرة، مما قد يسهم في تحقيق رؤية إدارة ترامب الجديدة بأن تصبح البلاد “عاصمة للعملات المشفرة”.
إرث جينسلر والملف التنظيمي
تحت إدارة جينسلر، أطلقت هيئة الأوراق المالية والبورصات 583 إجراءً تنفيذياً في السنة المالية 2024 وحدها، حيث بلغت قيمة العقوبات المالية المفروضة 8.2 مليار دولار.
العديد من هذه الإجراءات استهدفت شركات كبرى مثل HyperFund و Silvergate Capital، مما أثار انتقادات واسعة من قِبل مؤيدي العملات المشفرة.بينما كان جينسلر يسعى إلى فرض قوانين صارمة لضبط سوق العملات الرقمية وحماية المستثمرين من المخاطر المحتملة، يرى أويدا أن هذا النهج المتشدد قد أدى إلى خنق الابتكار.
إذا تولى أويدا منصب رئاسة هيئة الأوراق المالية والبورصات، فمن المتوقع أن يتبنى سياسات أقل تشددًا وأكثر تركيزًا على تقديم إرشادات شفافة.
من سيقود هيئة الأوراق المالية والبورصات؟
حتى الآن، لم يعلن الرئيس المنتخب دونالد ترامب عن اختياره الرسمي لقيادة هيئة الأوراق المالية والبورصات. وعلى الرغم من أن أويدا يُعتبر واحدًا من أبرز المرشحين، فإن المدير التنفيذي لشركة “روبن هود” دان غالاغر قد تم تداول اسمه أيضًا كخيار محتمل، رغم تقارير تفيد بأنه رفض هذا الدور.
بغض النظر عن من سيقود الهيئة، يبدو أن السياسات القادمة ستكون أكثر انفتاحًا على العملات الرقمية والتكنولوجيا المالية.
البيتكوين تحت المجهر: ارتفاع قياسي وتفاؤل مستمر
في نوفمبر 2024، شهدت عملة البيتكوين ارتفاعًا مذهلاً بنسبة تزيد عن 40.8%، حيث وصلت إلى أعلى مستوى شهري بلغ 99,000 دولار. يأتي هذا الارتفاع في ظل التفاؤل المتزايد بعد فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية. ويتوقع المحللون أن تكسر البيتكوين حاجز 100,000 دولار قريبًا، مدفوعة بالطلب المؤسسي المتزايد وتزايد الوضوح التنظيمي.
وفقًا للتقارير، فإن هذا الارتفاع في أسعار البيتكوين يعكس الثقة المتزايدة في مستقبل العملات المشفرة، خاصة مع توقعات تشير إلى أن إدارة ترامب الجديدة ستتخذ خطوات لدعم السوق الرقمية بشكل أكبر. شركات مثل “Trump Media” قد قدمت بالفعل طلبات لتسجيل علامات تجارية متعلقة بالعملات المشفرة، مما يعزز التكهنات بأن الولايات المتحدة قد تصبح المركز العالمي لهذه الصناعة.
تأثير التغيرات السياسية على العملات المشفرة
من الجدير بالذكر أن سياسات ترامب تجاه العملات المشفرة لم تأت من فراغ. ففي السنوات الأخيرة، اكتسبت العملات الرقمية مكانة قوية في الأسواق العالمية، وشهدت تطورات تقنية كبيرة جعلتها جزءًا لا يتجزأ من النظام المالي الحديث. الآن، ومع إدارة أمريكية جديدة ذات توجهات داعمة، من المتوقع أن تشهد السوق نموًا غير مسبوق.
على المستوى الدولي، تتجه دول أخرى مثل المملكة المتحدة إلى تنظيم شامل للعملات الرقمية، حيث أعلنت وزارة الخزانة البريطانية عن خطط لتنفيذ إطار تنظيمي كامل بحلول عام 2025. في حين أن هناك بعض المخاوف من فرض ضوابط شديدة، إلا أن العديد من المحللين يرون في ذلك فرصة لضمان استقرار السوق وحماية المستثمرين.
تحديات قادمة وتوقعات مستقبلية
رغم كل التفاؤل المحيط بالعملات المشفرة، لا تزال هناك تحديات يجب التغلب عليها. شركة Van Eck، على سبيل المثال، حذرت من أن الزخم الحالي قد يؤدي إلى “overheating” في السوق، وهو ما يمكن أن يسبب تباطؤًا في الأداء على المدى الطويل.
ومع ذلك، فإن العديد من المحللين متفائلون بأن البيتكوين قد تصل إلى 180,000 دولار خلال الـ 18 شهرًا القادمة.
من جانب آخر، تبقى قضية التنظيم هي العقبة الكبرى أمام المزيد من التبني المؤسسي للعملات المشفرة. ومع تولي أويدا المحتمل لرئاسة هيئة الأوراق المالية والبورصات، يمكن أن نشهد تغييرات كبيرة في كيفية تعامل الجهات التنظيمية مع هذا القطاع. يراقب المستثمرون عن كثب هذا التحول لمعرفة كيف ستؤثر السياسات الجديدة على مستقبل العملات الرقمية.
خاتمة
مع اقتراب موعد تولي مارك أويدا المحتمل لرئاسة هيئة الأوراق المالية والبورصات، تتزايد التوقعات بأن الولايات المتحدة قد تتبنى سياسات أكثر دعمًا للعملات المشفرة. هذا التحول في القيادة قد يكون نقطة تحول رئيسية في تطوير هذا السوق الناشئ.
وبالتوازي مع التطورات الدولية، يمكن أن نشهد فترة من النمو والابتكار في قطاع العملات الرقمية خلال السنوات القليلة القادمة. سيبقى الجميع في حالة ترقب لمتابعة كيف ستتطور هذه السياسات وما إذا كانت ستؤدي إلى تعزيز مكانة الولايات المتحدة كعاصمة عالمية للعملات المشفرة.