شهدت أسواق الذهب العالمية تقلبات كبيرة خلال الأيام الأخيرة، ما دفع بالمعدن الأصفر إلى الانخفاض بشكل مفاجئ، لتتراجع أسعار الذهب بأكثر من 1.5%. هذا التراجع السريع أثار العديد من التساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذا الهبوط، والذي جاء بعد سلسلة من المكاسب استمرت لخمس جلسات متتالية.
لكن ما الذي حدث فجأة وأدى إلى هذا الانخفاض؟ وهل يمكن أن يستعيد الذهب بريقه مرة أخرى؟ دعونا نستعرض الأسباب الرئيسية لهذا الهبوط المفاجئ، ونسلط الضوء على تأثيره المتوقع في المستقبل.
خلفيات الهبوط المفاجئ: ماذا حدث؟
في بداية تداولات يوم الاثنين، شهدت الأسعار الفورية للذهب ارتفاعًا إلى أعلى مستوياتها منذ السادس من نوفمبر، مما أشعر المستثمرين بالأمان النسبي. ولكن فجأة، ومع بداية الجلسة التالية، جاءت عمليات جني الأرباح التي نفذها المستثمرون لتوقف هذا الصعود، مما أدى إلى هبوط ملحوظ في الأسعار.
عمليات جني الأرباح هي جزء من استراتيجية المستثمرين الذين يفضلون تأمين أرباحهم بعد فترات من الارتفاع، وغالبًا ما تؤدي إلى تحركات حادة في السوق.
إضافة إلى ذلك، جاء إعلان تعيين سكوت بيسينت، مدير صندوق الاستثمار، كوزير للخزانة الأميركية المقبل في إدارة ترامب، ليزيد من ضغوط السوق. تعيين بيسينت أرسل إشارات قوية للسوق حول إمكانية تخفيف استخدام التعريفات الجمركية بين الولايات المتحدة والصين، مما قلل من المخاطر التجارية، وبالتالي قلل من جاذبية الذهب كملاذ آمن في مثل هذه الأوقات.
العلاقة بين الذهب والسياسات الاقتصادية
الذهب يُعتبر ملاذًا آمنًا في أوقات الأزمات الاقتصادية والسياسية، ولكن سياسات الحكومات المختلفة يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في تحركات الأسعار.
تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب، طُرحت فكرة فرض تعريفات جمركية على السلع الصينية، مما أثار قلق المستثمرين وأدى إلى زيادة الطلب على الذهب. لكن مع تعيين سكوت بيسينت وتوقع تخفيف هذه التعريفات، انخفضت المخاوف في الأسواق، مما ساهم في تراجع أسعار الذهب.
في الوقت نفسه، لا تزال السياسات الاقتصادية المتبعة من قبل إدارة بايدن تؤثر بشكل كبير على الأسواق، خصوصًا فيما يتعلق بتوقعات خفض أسعار الفائدة. تشير التقارير إلى أن المتداولين يرون احتمالًا بنسبة 56% لتخفيض آخر لسعر الفائدة في ديسمبر، ما قد يدفع أسعار الذهب للانخفاض إذا ثبت أن الاقتصاد الأميركي قادر على تحقيق انتعاش مستدام.
البيانات الاقتصادية والتوقعات الجايه
بالإضافة إلى الأحداث الجيوسياسية، يترقب المستثمرون هذا الأسبوع محضر اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة لشهر نوفمبر، والذي سيوضح توجهات الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة.
كما سيتم الكشف عن بيانات الناتج المحلي الإجمالي (المراجعة الأولى) وأرقام نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسية، وهي بيانات حاسمة لتحديد مسار السياسة النقدية.
إشارات السياسة النقدية الأقل ميلاً للتيسير واحتمالية حدوث مفاجآت تضخمية قد تدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى تثبيت معدلات الفائدة، مما قد يزيد الضغط على الذهب في المستقبل القريب.
العلاقة المعقدة والمترابطة للذهب والدولار
تُعرف العلاقة بين الذهب والدولار بأنها علاقة معقدة. فعندما ترتفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، تصبح المعادن الثمينة مثل الذهب أقل جاذبية لأنها لا تقدم أي عائد. وفي الوقت نفسه، كانت التوترات الجيوسياسية في أوروبا قد عززت من الطلب على الذهب كملاذ آمن، مما دفع الأسعار للارتفاع الأسبوع الماضي.
بالتوازي مع هذا، كانت أسعار العقود الآجلة للذهب قد حققت مكاسب أسبوعية بنسبة 5.55%، وهي أكبر مكاسب منذ عامين تقريبًا. هذا الارتفاع جاء نتيجة تصاعد التوترات بين أوكرانيا وروسيا، حيث سمحت الولايات المتحدة لأوكرانيا بإطلاق صواريخ أمريكية الصنع على روسيا، مما أدى إلى تصعيد الوضع في المنطقة.
التوقعات المستقبليةفي توجه الذهب
من الصعب التنبؤ بالتحركات المستقبلية للذهب، ولكن ما هو واضح أن السوق لا يزال حساسًا للتطورات الجيوسياسية والاقتصادية. على الرغم من أن العديد من المحللين يرون أن الاتجاه الصعودي للذهب قد يكون محدودًا في الوقت الحالي، إلا أن استمرار التوترات بين الولايات المتحدة وروسيا يمكن أن يدفع المستثمرين إلى الذهب كملاذ آمن.
وفقًا لأولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع في بنك ساكسو، يمكن أن يكون الاتجاه الصعودي محدودًا حتى نحصل على وضوح أكبر حول سياسات الرئيس الأمريكي القادم. ومع ذلك، يُشير هانسن إلى أن معظم عمليات البيع الأخيرة جاءت من المضاربين الذين يحققون أرباحًا، مما يعني أن هناك طلبًا متزايدًا على الذهب من قبل المستثمرين الذين ينتظرون فرصة دخول السوق.
الخلاصة
باختصار، شهدت أسعار الذهب تقلبات حادة خلال الأيام الماضية نتيجة لعوامل متعددة تشمل عمليات جني الأرباح وتغيرات في السياسة الاقتصادية العالمية. بينما يمكن أن تؤدي التوترات الجيوسياسية إلى دعم الطلب على الذهب كملاذ آمن، تظل البيانات الاقتصادية الأمريكية وأداء الدولار مؤثرين رئيسيين على تحركات الأسعار في المستقبل.
في النهاية، يظل الذهب خيارًا مفضلًا للمستثمرين في أوقات عدم اليقين، ولكن الاتجاه المستقبلي يعتمد بشكل كبير على الأحداث الاقتصادية والسياسية القادمة. فهل سيواصل الذهب اتجاهه الهبوطي، أم أن هناك فرصًا لانتعاش جديد؟ وحدها الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة على هذا السؤال.